أطفال بعمر الستين

في مساء يوم من أيام الصيف؛ جلست بعد صلاة العصر؛ على كرسي خشبي قديم؛ أنظرُ إلى أشجار الزيتون التي تحيط ببيتنا، فجاء في خاطري أيام الطفولة؛ حيث كنت، وأصحابي نحضر إلى هذا المكان الجميل؛ للهو، ولعب لعبة الاختباء، وكنا نختبئ خلف أشجار الزيتون؛ حتى لا تُكشف أماكننا.
شدتني الذكريات، وحلق بي الخيال، وها هو الآن أنا ابن الستين، وأصحابي كذلك؛ أين هم الآن؟ زيد في قطر، وحسام في فلسطين، وأسامة في أمريكا، يا الله كم كانوا سعداء! أبتسم للذكرى، واستمر شريط الذكريات في عرض صور ماضيهم وجماله.
فأخذت أكلم نفسي، وقلت: سأتصل في كل من حضر إلى الوطن لقضاء عطلة الصيف؛ حتى نلتقي، ونعيد الذكريات ولو لساعةً واحدة.
فجأة سمعت صوت زوجتي أم عبد الله تقول: بسم الله الرحمن الرحيم ما لك يا أبا عبد الله؟ تتحدث إلى نفسك. قال: إنها ذكرى الطفولة يا أم عبد الله. نهضت إلى هاتفي، واتصلت بصديقي زيد، فما إن استفسرت عنه، وعن أبنائه حتى سمعته يضحك، سألته: لماذا تضحك يا رجل؟ قال: وقد علت ضحكته؛ القلوب عند بعضها يا أبا عبد الله؛ بالأمس اتصلت بحسام، وأسامة، واتفقنا على أن نقوم بزيارتكم يوم الجمعة القادمة؛ نحن الثلاثة برفقة أبنائنا، وأحفادنا فقال: على الرحب والسعة فإنني مشتاق إليكم.
في يوم الجمعة حضر الجميع كما أخبرني زيد. جلسنا بعد صلاة الجمعة في المسجد نتحدث، ثم تناولنا طعام الغداء تحت شجرة الزيتون الكبيرة، وارفة الظلال. تحدث كل منا عن عمله، والحنين للوطن، وألم الغربة، وكان أحفادنا يتراكضون بين أشجار الزيتون، ونحن في غاية الفرح، والسرور. وبعد صلاة العصر قلت: لنعيد الماضي. قال حسام: ماذا تعني يا أبا عبد الله؟ قلت: نلعب لعبة الاختباء. قهقه الجميع وعلت ضحكاتهم، فقال أسامة: يا رجل نحن هرمنا، وعندنا أحفاد.
قلت: ولم لا! نعلمهم، ونخبرهم أن هذه اللعبة هي لعبتنا المفضلة، فوافق الجميع. جمعنا جميع أفراد الأسرة، وبدأت اللعبة، والأطفال يشجعون، وكانت ضحكات المشجعين عالية جداً، وخاصة عندما يعثر أحدنا على الآخر، ويسقط أرضًا. شعرنا أننا أطفال لكن أعمارنا في الحقيقة تجاوزت الستين عامًا.

 

بقلم: لانا أحمد النيرب – ١٣ ربيعًا
مدرسة سلبود الأساسية المختلطة

3 أفكار عن “أطفال بعمر الستين”

تم إقفال التعليقات.